عريفة الفصل

عريفة الفصل
طفلة طيبة كريمة الخلق، لم يتجاوز عمرها الثامنة بعد، وفي الصفوف الابتدائية الاولى. في عمر الورد وربيعه، بدأت طفولتها بحب الاعمال المنزلية ومساعدة أمها. يشعر من يتعامل معها، بإنها مشروع ربة بيت وأم ناجحة. يحس من يعاشرها بالحنان والعطف والمحبة يملأ كيانها وقلبها الصغير، تغدقه بسخاء على كل من حولها، دون حساب. ولكنها شعرت فجأة إن كل تلك الرغبة في الاعمال المنزلية، ومساعدتها والدتها إنهارت، وبدأت تخبو مع الوقت. وذلك الحب الذي كان يملأ قلبها، وتنشره على الآخرين، إستقر مكانه القلق والخوف وعدم الاطمئنان للآخرين.

أخذت’ في التفكير: كيف يتحول الانسان من طيب كريم النفس، إلى شرير عدواً للآخرين. حمداً لله فهي لم تصل الى ذلك الوضع بعد، أو أن تشخص كحالة مرضيةً، ومع ذلك هي ظاهرة إجتماعية يجب بحثها ومناقشتها. قال تعالى موجهاً الحديث الى نبيه الكريم (فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظاَ غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفرلهم وشاورهم في الامر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين)آل عمران-159 صدق الله العظيم. وفي أحد عطل نهاية الاسبوع، ودون سابق تحضير أوإعداد، أخذتها في رحلة بحرية عائلية، تغييراَ لجو ذلك الاسبوع الرتيب، من عمل ودراسة، وطلباً للراحة والاستجمام. وعلى البحر وعند شاطئه الجميل المريح للنفس، أخذنا وكعادة المتنزهين في المرح والفكاهة، بين لعب ولهو وضحك وسرد لحكايات، تطرب لها النفس، ويرنو اليها الفؤاد.

ومع مرور الوقت، وأنتشار ابتسامات الرضا في المكان حولنا، أخذت تتنفس وتنفس عن نفسها، وتخرج ما ران على قلبها. وكان من بين ما قالت: أنا لا يحبني أحد، وليس لدي صديقات؟! كلام كبير وذو معنى خطير، يخرج من فم طفلة صغيرة بريئة. إنها لم تعي مفهوم الحياة بعد، ولم تــب الخبرة الكافية لأمور الدنيا وحقيقتها. كلمات قليلات معدودات، ذات معاني تتعدى الماضي والحاضر والمستقبل، لتستقر في قلب طفلة لم تترك البراءة بعد. ولكن لا يجب أن ندع تلك الكلمات تمر بنا مرور الكرام، دون نبش في مدلولاتها وخلفياتها! إنها حياة إنسانة ومستقبلها، ويمكن لهذه الكلمات أن تحدد ــيرها. يمكن لهذه الكلمات أن تدمر وجه الدنيا، وتدمر تلك الانسانة الى حد لا يعلمه الا الله. قال تعالى (إنه من قتل نفسا بغير نفس أوفساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)المائدة-32 صدق الله العظيم.

أخذت’ إستدرجها واسحب الكلام من بين شفتيها، لمعرفة المزيد، وللتأكد إذا ما قالته صحيحاً وواقعاً تعيشه، أو مجرد عبث ودردشة أطفال! إتضح لي أنما تقوله وتتحدث عنه هو من واقع حياتها اليومية، وإن الاخريات في صفها لم يعدنا كما كنا في السابق يلتفن حولها، ويلعبن معها. فلقد حاولت مراراً التودد اليهن والتقرب منهن، ولكن دون مافائدة، كما قالت. إتضح أن السبب يكمن في تسنمها منصب عريفة الفصل. ذلك المنصب الذي كلفها بالمقابل التخلي عن حب وقرب صديقاتها. ذلك المنصب الذي جنت من وراءه، بغض ونفرة صديقاتها منها. ذلك المنصب الذي جعل صديقاتها ينظرن اليها كجاسوسة عليهن، تراقبهن وتعد عليهن خطواتهن، وتنقل كل ما ترى الى مدرستهن.

قالت: في أحد الايام ولسبب ما، لم أنقل أحد دروسي عن السبورة، فطلبت من المدرسة مساعدتي في نقله، فقالت لي: أنقليه من أحد الطالبات. وبسبب وضعي السيء معهن لم يقبلن مساعدتي. فرجعت الى المدرسة لتقول لي: وماذا يجب علي أن أفعل لك! أنسيت المدرسة إنها أم ثانية للطالبات، وهكذا ينظرن اليها، وخصوصاً في بدايات دخولهن المدرسة. أوليس المطلوب منها أن تحنو عليهن وتساعدهن في حل مشاكلهن. وما هذه الطريقة الفظة في إستعداء بعض الطالبات على بعض، وإختيار عريفة لتكون عليهن جاسوسة، تنقل اليها أخبارهن. دون اهتمام لمشاعر هذه العريفة، ومشاعر الطالبات من حولها. هذا شيء لا ترضاه إنسانيتنا، ولايرضاه ديننا الحنيف. قال تعالى (يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولاتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم)الحجرات-12 بقلم: حسين مشامع